علاقات دول مجلس التعاون الخليجي – آسيا الوسطى تعاون نموذجي في جنوب العالم

نصيبي هجرت باتال أوغلو – بولنت آراس

بدعوة من ولي العهد السعودي صاحب السمو محمد بن سلمان، أقيمت القمة الخليجية – الوسط آسيوية، التي جمعت بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ودول آسيا الوسطى بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية في يوم 19 يوليو 2023، وذلك في إطار اهتمام متزايد من دول الخليج العربية بمنطقة آسيا الوسطى ضمن دول جنوب العالم عموما، ويعتبر هذا الاجتماع خطوة جديدة على طريق التعاون الإقليمي البيني فيما بين دول الخليج وآسيا الوسطى، ويتعزز هذا بالنظر إلى توافق الأجندات الاقتصادية، والروابط الدينية والثقافية كذلك، لقد أكد البيان الرسمي المشترك الصادر عن القمة اهتمام الجانبين سواء دول الخليج العربية أو دول آسيا الوسطى بتعزيز التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية، والثقافية، والقضايا الأمنية، كما كرس القادة المجتمعون اهتماما خاصا لتأكيد رؤيتهم المشتركة لبناء صورة أكثر تسامحا حول الإسلام عالميا، وذلك بالترويج لقيم التسامح، والتعايش السلمي، ومقاومة الإسلاموفوبيا، وبالإضافة إلى الجانب الديني، فإن لآسيا الوسطى مميزات هامة تعزز اهتمام الخليج بها لامتلاكها مقومات جغرافية تعزز موقعها الجيوسياسي، والجيواقتصادي، والجيواستراتيجي، إذ تدفع كل هذه العوامل دول الخليج لتعميق الروابط مع دول آسيا الوسطى. يهدف هذا الموجز السياسي لتسليط الضوء على ازدهار التعاون بين إقليمي دول الخليج العربية، ودول آسيا الوسطى وذلك لكونهما إقليمين يتمتعان بمقومات عديدة تجعل منهما منطقتين حيويتين في مجالات أمن الطاقة، وتيسير التواصل التجاري، علاوة على الأمن العالمي خاصة مع الأزمات العالمية المتفاقمة. علاقات دول مجلس التعاون الخليجي-آسيا الوسطى التعاون النموذجي في إطار الجنوب العالمي

مقدمة:

بدعوة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد بالمملكة العربية السعودية أقيمت يوم 19 يوليو 2023 قمة دول مجلس التعاون الخليجي-آسيا الوسطى بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وكان من بين المشاركين في القمة رؤساء كل من كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، والتي تعرف بدول آسيا الوسطى، ومن الجانب الخليجي حضر القمة سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، وولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، ونائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، كما مثل سلطنة عمان السيد/ أسعد بن طارق البوسعيدي، ومثل البحرين سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة (1).

وقد عكست القمة اهتمام دول الخليج المتزايد بالتعاون مع دول آسيا الوسطى باعتبارها كتلة صاعدة ضمن الجنوب العالمي، وتعتبر القمة جزءا معززا لمسار التعاون الإقليمي بين الجانبين، وذلك بالنظر لتوافق الأجندات الاقتصادية، والروابط الثقافية-الدينية بينهما، علما أن الاجتماع الوزاري الأول ضمن الحوار الاستراتيجي بين دول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى كان قد أقيم في المملكة العربية السعودية في عام 2022. (2).

لقد أكد البيان المشترك الصادر عن القمة رغبة الجانبين كليهما الأكيدة لتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والأمنية (3)، وأكد الجانبان صراحة سعيهما لتعزيز التعاون فيما يحقق الأمن، والاستقرار العالمي، والإقليمي، وذلك بالاهتمام بمرونة سلاسل التوريد، وكذلك ما يتعلق بالمواصلات، والاتصال، والأمن الغذائي، والأمن الطاقي، والأمن المائي، وتطوير مصادر طاقة وتقنيات متجددة، وخضراء، وإيجاد فرص جديدة للأعمال، والاستثمارات، وتعزيز التجارة، والتبادل.

واللافت للنظر أن قادة دول الجانبين أكدوا بوضوح على أهمية تطوير رؤية جديدة تضمن الوصول لصورة متسامحة عن الإسلام، وذلك بترويج التعايش السلمي، والتسامح، ومقاومة الإسلاموفوبيا، وبهذا فإن الإسلام غدا نقطة تلاق ثقافية-دينية للجانبين يتمحوران حولها، ما يعزز فرصا أقوى للتعاون في مساحات، وحقول أخرى، حيث عادت دول آسيا الوسطى لتبني الإسلام عقب نيلها استقلالها عام 1992 كنتيجة لانهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1990م، حيث يلعب هذا الجانب دورا هاما في إبراز الأبعاد الدينية في هذه الروابط والعلاقات بين الأقليمين، وفيما يتجاوز المجال الديني، فإن دول آسيا الوسطى تحمل إمكانات كبيرة جيوسياسية، وجيواقتصادية، وجيواستراتيجية تهتم بها دول الخليج، وتدفعها لتعميق روابطها مع هذه الدول.

يهدف هذا الموجز إلى تسليط الضوء على العلاقات المزدهرة المتنامية بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى، خاصة أنهما إقليمان يتمتعان باهمية كبيرة في مجال أمن الطاقة، والروابط التجارية، وذلك في خضم الأزمات العالمية المتفاقمة في الأقاليم المجاورة لهما.

موقف السياسية الخارجية لدول الخليج العربية من آسيا الوسطى:

منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، غدت دول آسيا الوسطى مسرحا "للعبة كبرى جديدة" لعبت فيها أطراف عديدة أدوارا هامة من بينها: روسيا، والصين، والولايت المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وتركيا، وإيران، والهند (4)، ويرجع اهتمام هذه القوى الكبرى بمنطقة آسيا الوسطى لموفعها المحوري إذ تعتبر تقاطع طرق استراتيجي عالمي، تلتقي فيه طرق تجارية هامة، وأساسية أسستها نقاط تلاقي الدول، فالإقليم يربط الشمال بالجنوب، والشرق بالغرب، إضافة لاحتوائه على مصادر طاقة كبيرة، تعزز أهميته العالمية.

تعتبر دول الخليج وافدة حديثا نسبيا، وذات دور أقل في آسيا الوسطى مقارنة بروسيا، والصين، وتركيا، وإيران، لهذا فمصالحهم، ومساعيهم لبناء علاقات ثنائية، وإقليمية مع دول آسيا الوسطى تبقى أقل طموحا من تلك القوى الكبرى، وقد عمقت دول الخليج ونوعت علاقاتها مع الصين، وروسيا، حيث يؤثر ذلك بوضوح على المصالح الناشئة، فبينما حازت الدول الأربعة المكونة لآسيا الوسطى: كازاخستان، قرغيزستان، طاجكستان، وأوزبكستان عضوية منظمة شنغهاي للتعاون المرتبطة بمجال النفوذ الصيني -الروسي، ومن جانب آخر لم يعد سرا أن دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في تعميق تعاونها مع منظمة شنغهاي للتعاون، وقد انضمت كل من: السعودية، قطر، الكويت، البحرين، عمان إلى المنظمة المذكورة بصفة شركاء حوار (5)، ومن ناحية أخرى، فإنه ومع العلاقات المتنامية بين دول الخليج وتركيا، وعضوية تركيا وكل من: كازاخستان، وقرغيزستان، وأوزبكستان في منظمة الدول الناطقة بالتركية، فإن فرص التعاون بين دول الخليج وآسيا الوسطى تصبح واعدة أكثر في المستقبل عبر هذه المنظمة، كما يلاحظ بشكل أساسي اتباع دول مجلس التعاون استراتيجية التحوط مع القوى الكبرى، مع اتخاذها مسارا متمايزا، وأكثر استقلالية، مركزة على تنويع حلفائها، حيث جاء هذا التحول البارز مواكبا لسياسات خارجية غدت دول الخليج تتبعها، فقد أصبحت هذه الدول اليوم ذات نفوذ، ومراكز تأثير في حد ذاتها.

مساعدات دول الخليج التنموية لآسيا الوسطى

تعتبر المساعدات التنموية الرسمية جزءا من السياسات الخارجية، وتهدف هذه المساعدات للتعامل مع القضايا التنموية، والإنسانية وقد أبرزت تقديرات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تميز المساعدات التنموية المقدمة للدول الآسيوية الخمسة من قبل الأربع الدول الخليجية الرئيسية: قطر، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، والكويت.

الشكل 1 أدناه يوضح المساعدات إجمالي صرف المساعدات لدول آسيا الوسطى من قبل دول مجلس التعاون الخليجي ما بين 2018-2021، حيث يلاحظ تزايد المساعدات المقدمة من الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية ، والكويت.

الشكل 1: إجمالي صرف المساعدات التنموية المقدمة من دول الخليج إلى دول آسيا الوسطى

المصدر: منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية - نظام تقارير الدائنين

ولا تتضمن تقارير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تقارير حول المساعدات القطرية لآسيا الوسطى حتى عام 2019، وإن عرفت حصتها من المساعدات تصاعدا ملحوظا انتهاء بالعام 2021، وذلك أسوة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وفي العام 2021 قدمت الإمارات العربية المتحدة الجانب الأكبر من المساعدات المقدمة بما مجموعه 47 مليون دولار، تلتها المملكة العربية السعودية بفارق يسير بمساعدات بلغت 44 مليون دولار، بينما بلغت مساعدات الكويت 33 مليون دولار، بينما قدمت قطر المساعدات الأقل بما مقداره 5,2 مليون دولار، وعلى أي حال، فإن المملكة العربية السعودية تبقى الدولة الأكثر مساهمة طوال تلك الفترة بين 2018-2021 في المساعدات التنموية لدول آسيا الوسطى الخمس، وبناء على فحص الحصص المقدمة لدول آسيا الوسطى الخمس من المساعدات التنموية الخارجية لقطر، والإمارات، والسعودية، والكويت فإن هناك تزايدا ملحوظا، ومتقاربا بين تلك الدول في هذا الجانب، (انظر الشكل 2). وعلى سبيل المثال فإن الحصة التي نالتها الدول الخمس من مجمل مساعدات القطر قد ارتفعت من 0,7% إلى 5,2% على مدى الفترة الممتدة من 2019 -2021، وهناك تزايد مواز في نسبة ما حازته آسيا الوسطى من جملة المساعدات التنموية المقدمة للخارج من قبل الإمارات، والسعودية، والكويت كذلك، ورغم أن نسبة المساعدات الخليجية لدول آسيا الوسطى الخمس تبدو متقاربة، إلا أن المخصصات المقدمة لكل دول من الدول الخمس تبدو متفاوتة من دولة خليجية لأخرى سواء بين قطر، والإمارات، والسعودية، والكويت.

يوضح الشكل رقم 3 الحصص المخصصة من مساعدات التنمية الدولية المقدمة عام 2021 من دول الخليج لكل دولة من دول آسيا الوسطى على حدة، ويوضح الشكل رقم 3 المدفوعات المقدمة من كل دولة، وكانت مساعدات كل من الإمارات، والكويت غالبا موجهة لأوزبكستان، بينما حظيت طاجيكستان بأغلبية مساعدات قطر، والمملكة العربية السعودية التنموية، لكن هذا لا يعني أن المساعدات بالضرورة كانت دائما مركزة باتجاهات محددة، فبينما بلغت مساعدات الإمارات لأوزبكستان ما نسبته 74% من مجمل مساعداتها لدول آسيا الوسطى، فإن مساعدات المملكة العربية السعودية موزعة بين عدة دول رغم تركيزها على طاجكستان التي حازت 41% من المساعدات السعودية، تليها قرغيزستان بـ36% و21% وجهت لأوزبكستان، بينما استأثرت كازاخستان بحصة مميزة من مساعدات دولة قطر بلغت 31% مقارنة بغيرها من دول الخليج.

الشكل 2: حصة دول آسيا الوسطى من المساعدات الخليجية التنموية (٪)

المصدر: منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية- تقرير الدائنين

العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج وآسيا الوسطى

يمكن عزو الاهتمام المتجدد من قبل دول مجلس التعاون الخليجي بتعزيز العلاقات والروابط مع آسيا الوسطى إلى الخطط الاستراتيجية الخليجية الرامية لتنويع مصادر الاقتصاد بما يتجاوز قطاع النفط التقليدي، إذ تدرك هذه الدول أهمية تقليل الاعتماد على مداخيل النفط وضرورة البحث عن سبل جديدة لضمان نمو، واستقرار الصناعات غير النفطية، وتتيح

اقتصادات آسيا الوسطى الصاعدة مساحة جديدة لتنويع التجارة، يبرز الجدول 1 آليات التعامل بين الدول الخليجية واقتصادات آسيا الوسطى، وتبرز الإمارات هنا بحجم تعاملات تجارية هو الأعلى بين دول الخليج، بينما تأتي عمان في المرتبة الأدنى بين دول الخليج من حيث الروابط التجارية، أما بالنظر لنسب تعاملات دول آسيا الوسطى في التجارة الخارجية فتبدو ضئيلة لحد كبير، حيث لا تتجاوز 1% ولكن من الملاحظ أن ثمة مؤشرات على تزايد هذا الإسهام في التجارة الخارجية.

الشكل رقم 3: حصة كل دولة من دول ٱسيا الوسطى الخمس من مساعدات دول الخليج الننموية 2021

المصدر: منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية

خصوصا مع بعض دول آسيا الوسطى، وعلى سبيل المثال، فإنه وعلى مدى 22 عاما مضت، شهدت الصادرات القطرية لكازاخستان نموا ثابتا بلغ معدله السنوي 34%، حيث بدأ بـ4500 دولار سنويا عام 1998م، لتتصاعد حتى تصل لـ2,8 مليون دولار عام 2020، (لمزيد من التفاصيل راجع منصة مرصد التشابكات الاقتصادية) (6).

إلى جانب ذلك، فإن الفترة ما بين 1995-2021 شهدت تزايدا ملحوظا للصادرات السعودية إلى تركمانستان، بلغ تزايده السنوي 13%، ليبلغ هذا المسار التصاعدي مداه بـ2.28 مليون دولار أمريكي عام 2021، ولم يقتصر التزايد على الصادرات وحدها بل إن واردت الإمارات من قرغيزستان قد شهدت نموا ملاحظا العام 2021، بزيادة سنوية مقدارها 36% لتصل 216 مليون دولار بنهاية 2021، وبتوزيع الصادرات من دول الخليج لآسيا الوسطى، والمعروض في شكل 4، فإن الملاحظ أن ثمة تفاوتا في حجم الصادرات والواردات من دولة لأخرى، فمن الملاحظ أن صادرات قطر تتجه لكازاخستان فقط، وتعتبر عمان أن شريكها التجاري في المنظقة هو أوزبكستان، وبالإضافة لذلك فإن الأمن الغذائي أصبح عاملا ضاغطا محفزا لدول الخليج على صياغة علاقات قوية مع شركاء من دول آسيا الوسطى، والذين يمتلكون موارد زراعية هامة، بينما تعتزم دول الخليج تلبية اهدافها الطموحة أيضا في مجال الطاقة المتجددة حيث تحوز دول آسيا الوسطى على موارد هامة تمثل فرصا واعدة للتعاون، والفائدة المشتركة.

الجدول رقم 1: التجارة الخارجية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى

المصدر: قاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة والتبادل التجاري

يتوقع أن تبلغ دول آسيا الوسطى مرحلة الدول متوسطة الدخل، ويتوقع لها أن تلعب دورا هاما كقوة متوسطة الحجم في ظل التحولات الجيو سياسية الراهنة، ومع تحول مركز الثقل شرقا نحو الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، فإن هذه الأمم تبدي الكثير من الاهتمام للاعتراف بأهميتها كقوى ذات دور متنام في المسرح العالمي، وهو ما دفع دول آسيا الوسطى للمضي

فدما في تعزيز علاقاتها بدول الخليج العربي، حيث أبدت تقديرا خاصا للإمكانات الكبيرة التي تحملها الشراكات المفيدة، وتعزيز النفوذ الإقليمي، لقد واءمت دول آسيا الوسطى حاجة الخليج لاستثمارات عالمية ذات مردود في بيئات سياسية آمنة..

العلاقات السياسية بين دول الخليج وآسيا الوسطى:

رغم أن العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية تمثل العمود الفقري الذي تتأسس عليه العلاقات الخليجية-الوسط آسيوية، إلا أن العلاقات السياسية المكثفة واكبت هذه العلاقات منذ البداية، حيث ترجع العلاقات بين الخليج ودول آسيا الوسطى إلى مطلع التسعينات حين اعترفت دول الخليج بجمهوريات آسيا الوسطى المنبثقة عن تفكك الاتحاد السوفييتي، فقد بدأت العلاقات الثنائية بين كازاخستان والمملكة العربية السعودية عام 1990، ليرفع البلدان المستوى لأعلى المستويات حيث بلغت مستوى السفراء عام 1997م (7)، وفي العام 1994م زار نور سلطان نزارباييف المملكة العربية السعودية لأول مرة، حيث وقع اتفاقات تعاون في مجالات التجارة، والاقتصاد، والاستثمار، والتقنية، والمجال الثقافي، ومجال الشباب، والرياضة (8).

الشكل رقم 4: توزيع الصادرات الخليجية لدول آسيا الوسطى (%)

المصدر: منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية

وشهد يوم 22 فبراير 1992م بداية العلاقات الثنائية بين طاجكستان والمملكة العربية السعودية، وقد قام إمام علي رحمانوف رئيس طاجكستان بزيارات رسمية إلى المملكة العربية السعودية الأعوام (1997، 2001، 2005، 2016، 2017)، وقد تركت هذه الزيارات أثرها في تعزيز، وتقوية العلاقات الثنائية بين الجانبين (9)، وفي مارس 2022م، زار صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي جمهورية قرغيزستان، بينما أقيمت أول مشاورات رسمية بين وزيري خارجية كل من تركمانستان، والسعودية عامي 2019 و2022م في الرياض، والتقى سردار بيردي محمدوف رئيس تركمانستان وزير الخارجية السعودية في العاصمة التركمانية عشق آباد (10)، كما منحت المملكة فرصا لمواطني كل من أوزبكستان، وطاجكستان، وقرغيزستان للحصول على تأشيرة دخول للمملكة إلكترونيا أو بمجرد وصولهم للمنافذ الحدودية (11).

إن دخول دول الخليج سياسيا في آسيا الوسطى بلغ زخما عاليا في العقد الماضي، ولم تكن الدول الخليجية الأخرى أقل اهتماما بآسيا الوسطى من المملكة العربية السعودية، فالإمارات العربية المتحدة تهتم بتحقيق أجندة جيوسياسية، وجيواقتصادية مع دول آسيا الوسطى الخمس، حيث تطورت العلاقات الإماراتية-التركمانية وشهدت ازدهارا متواصلا منذ تأسيسها في العام 1995م، وفي العام 2012 أنشئت لجنة مشتركة للتعاون بين الدولتين، وقد زار السيد بيردمحمدوف الإمارات زيارة رسمية لأول مرة عام 2022، وحينها التقى بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وعدد من المسؤولين الرسميين

(12)، فيما زار الإمارات في العام ذاته الرئيس صدير جاباروف رئيس قرغيزيا، ويرافقه وفد رسمي في زيارة عمل (13).

أما المسؤولون القطريون فيتطلعون لتقوية العلاقات الثنائية مع آسيا الوسطى، كما ينظرون إلى الأبعاد السياسية والدبلوماسية في هذه العلاقات باعتبارها ذات أهمية خاصة، وافتتحت قطر سفارتها في أستانا عام 2008، وتبع ذلك افتتاح متبادل للسفارات بين قطر، وطاجيكستان عام 2012، وأحدث السفارات افتتاحا في الدوحة بين سفارات آسيا الوسطى كانت سفارة تركمانستان في مارس 2023، حيث جاء ذلك إبان زيارة الرئيس التركماني سردار بيرديمحمدوف الرسمية لقطر، والتي التقى فيها سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني، والذي قام بدوره بجولة على دول آسيا الوسطى بين 5-8 يونيو، شهدت لقاءه برؤساء تلك الدول، وتوقيع عدد من الاتفاقيات الهامة (14)، كانت جولة الأمير هامة للغاية، حيث بدأت الجولة بزيارة لأوزبكستان، تلاها توقف في جمهورية قرغيزستان، ثم زيارة ناجحة لكازاخستان حيث شارك سمو أمير دولة قطر في ملتقى أستانا الدولي، لتختتم الجولة بزيارة سموه لجمهورية طاجكستان.

لقد شكلت جولة الأمير والروابط التي تمخضت عنها سردية متكاملة حول تطوير، وتعميق الشراكات السياسية، والاقتصادية، والثقافية في مجال العلاقات بين قطر، ودول آسيا الوسطى، فمن الجدير بالملاحظة تنامي الصلة بين قرغيزستان، وقطر، حيث عبر الجانبان: القطري، والقرغيزي عن رغبتهما الأكيدة في رفع مستوى التعاون بينهما لمستوى التعاون الشامل (15)، بينما أكد الرئيس الأوزبكي شوكت ميرزيوييف بشكل قاطع أن تواصل دولته مع قطر مبني على تصور "شراكة واعدة" في إطار المجال العربي المسلم مؤكدا حيوية ومركزية العلاقة بين الجانبين (16).

الخاتمة

تعكس الزيارات المتبادلة بين قادة دول الخليج وجمهوريات آسيا الوسطى اهتماما وإرادة سياسية مشتركة لتقوية، وتعزيز الروابط والعلاقات بين الجانبين، ولا يمكن هنا التغاضي عن نقاط التلاقي السياسية، والثقافية التي تجمع بين دول الخليج العربية، وآسيا الوسطى، والتي تجذب دول الخليج العربية للتعاون مع دول آسيا الوسطى، كما تلعب التلاقيات الثقافية بين الجانبين في إطار الإسلام دورا محوريا، كما تبدو اهتمامات النخبة بالأنشطة التقليدية مثل رياضتي الصيد بالصقور، والفروسية دور الرابط الرمزي بين الثقافتين، وتؤدي لتيسير، وتعميق الروابط الشخصية، والوطنية، بينما تعزز مساعدات التنمية المقدمة الروابط بين المنطقتين الجغرافيتين، واللتين تتشابهان في امتلاكهما موارد ثرية، واستقرارا على مستوى النظم، إضافة للروابط الجيوسياسية بين الجانبين في عالم يواجه توترات عديدة ليس أقلها

شأنا الحرب في أوكرانيا، وأزمة الطاقة، علاوة على تشاركهما المنظور ذاته فيما يتعلق بالتنافس الدولي، والنفوذ، وهو الأمر الذي يمهد الطريق لتفاهمات أكبر تتصل بمجالات اهتمام، وانشغال كل طرف فيما يتعلق بالقضايا السياسية، والأمنية، كما أن بين الجانبين تداخلات اقتصادية تجعل رؤاهما تتقارب بصورة معمقة، ما يسهل تعميق التقارب السياسي بين الجانبين، من جانب آخر، فإن مساعدات دول المجلس التعاون الخليجي الإنسانية، والتنموية وجدت مكانها المناسب في جمهوريات آسيا الوسطى، فالعلاقات بين الجانبين متعددة الأوجه، وتتقدم دون عوائق كبيرة، ويمكن اعتبارها نموذجا يحتذى للتعاون بين الدول في نطاق جنوب العالم، حيث ينبغي التركيز على تثبيت العلاقة، وتنميتها على أساس من المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.

الهوامش:

[1] “Saudi crown prince: We look forward to benefiting from joint GCC-Central Asian cooperation”, Arab News, 19 July, 2023, retrieved from Saudi crown prince: We look forward to benefiting from joint GCC-Central Asian cooperation (arabnews.com).

[2] “First Ministerial Meeting of GCC and Central Asian Countries Convenes in Riyadh Tomorrow”, Qatar News Agency, 6 September, 2022, retrieved from First Ministerial Meeting of GCC and Central Asian Countries Convenes in Riyadh Tomorrow (qna.org.qa).

[3] “GCC-Central Asia Summit Issues Joint Statement”, Saudi Press Agency, 19 July, 2023, retrieved from GCC-Central Asia Summit Issues Joint Statement (spa.gov.sa).

[4] Sahakyan, Mher. (2023), The New Great Power Competition in Central Asia: Opportunities and Challenges for the Gulf, AGDA Working Paper 2021, retrieved from The New Great Power Competition in Central Asia: Opportunities and Challenges for the Gulf by Mher Sahakyan : SSRN.

[5] “Shanghai Cooperation Organization”, n.d., The United Nations, retrieved from Shanghai Cooperation Organization | Department of Political and Peacebuilding Affairs (un.org).

[6] AJG Simoes, CA Hidalgo. The Economic Complexity Observatory: An Analytical Tool for Understanding the Dynamics of Economic Development. Workshops at the Twenty-Fifth AAAI Conference on Artificial Intelligence. (2011).

[7] Embassy of the Republic of Kazakhstan to Saudi Arabia, n.d., Gov.Kz, retrieved from https://www.gov.kz/memleket/entities/mfariyadh/activities/2060?lang=en.

[8] Ibid.

[9] “Relations between the Republic of Tajikistan and Saudi Arabia”, January 2013, Ministry of Foreign Affairs of the Republic of Tajikistan, retrieved from https://www.mfa.tj/en/main/view/133/relations-oftajikistan-with-saudi-arabia.

[10] “The President of Turkmenistan received the Minister of Foreign Affairs of Saudi Arabia”, December 2022, Turkmenistan.gov.tm, retrieved from https://turkmenistan.gov.tm/en/post/68787/presid ent-turkmenistan-received-minister-foreign-affairssaudi-arabia .

[11] Saudi Arabia extends visit visa to eight new countries, 7 August 2023, The Peninsula Qatar,retrieved from https://thepeninsulaqatar.com/article/07/08/20 23/saudi-arabia-extends-visit-visa-to-eight-newcountries.

[12] “President Sheikh Mohamed meets Turkmenistan's leader”, 21 November 2022, The National, retrieved from https://www.thenationalnews.com/uae/2022/11 /21/president-sheikh-mohamed-meetsturkmenistans-leader/.

[13] “UAE President and Kyrgyz President review bilateral relations and regional developments”1 November 2022, The United Arab Emirates Ministry of Foreign Affairs, retrieved from https://www.mofa.gov.ae/en/mediahub/news/2 022/11/1/01-11-2022-uae-relations.

[14] “Qatar: Amir to begin Central Asia tour on Monday”, 4 June 2022, Zawya.com, retrieved from https://www.zawya.com/en/economy/gcc/qataramir-to-begin-central-asia-tour-on-mondaym93zls8y.

[15] “Kyrgyzstan And Qatar Intend To Raise Cooperation To Level Of Comprehensive Partnership”, 7 June 2023, Center for Eurasian Studies, retrieved from https://avim.org.tr/en/Bulten/KYRGYZSTANAND-QATAR-INTEND-TO-RAISE-COOPERATIONTO-LEVEL-OF-COMPREHENSIVE-PARTNERSHIP.

[16] Eruygur, Burc, Uzbekistan considers Qatar 'promising partner’: President Mirziyoyev, 6 June 2023, Anadolu Agency, retrieved from https://www.aa.com.tr/en/world/uzbekistanconsiders-qatar-promising-partner-presidentmirziyoyev/2916034.

عن المؤلفين:

نصيبي هجرة باتال أوغلو باحثة مساعدة في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر.

بولنت أراس مدير الأبحاث في مركز أبحاث السياسات الدولية (CIPR).

هذا الموجز السياسي هو جهد بحثي مشترك بين مركزي دراسات الخليج بجامعة قطر، وأبحاث السياسة الدولية.

عن مركز أبحاث السياسات الدولية

مركز أبحاث السياسات الدولية، مركز أبحاث معني بالاهتمام بالاقتصاد، والشؤون السياسية، والطاقة، وقضايا الأمن بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، يقع مقره بالدوحة، ويختص المركز بتقديم تقييم للمخاطر السياسية، والتحليلات، والاستشارات المقدمة للحكومات، والمؤسسات، والصراعات، ودبلوماسية المسار الثاني، واستشارات التنمية، والشؤون الإنسانية، وإدارة الفعاليات في دول الخليج العربي، وما جاورها، والمركز يطمح ليصبح منصة أساسية للنقاش، والمناظرات، والأبحاث، والإصدارات ذات العلاقة بالشؤون الإقليمية، والفعاليات، والمشاريع، والإنتاج الإعلامي لفهم شمولي للمنطقة التي تشهد تحولات متسارعة، وحيوية، يسعى المركز لتحقيق هذه الجوانب برؤية، ومقاربة مبتكرة، وعلمية، وشاملة لمختلف الجوانب، يمثل المركز منصة لمختلف الأصوات من الأكاديميين، وممثلي قطاع الأعمال في المنطقة، والقادة المؤثرين لإيجاد أفكار جديد، ورؤى مستقبلية للقضايا الهامة في المنطقة.

مركز أبحاث السياسات الدولية