أوراسيا بعد الحرب الأوكرانية
نيفرا إيسنتورك وجاويد فيلييف
تكتسب منطقة أوراسيا أهمية استثنائية من الناحية الجيوسياسية نظرا لمواردها الطبيعية والمميزات العديدة الأخرى، والمرتبطة كذلك بمخاطر على المستويين الإقليمي والدولي، وقد أضافت الحرب الأوكرانية مؤخرا أبعادا جديدة لحالة عدم الاستقرار الجيوسياسي إقليميا، كما أنها جعلت الإقليم مسرحا آخر للصراع بين المنافسات الجارية عالميا، كتلك التي بين روسيا والغرب، والولايات المتحدة، والصين، لقد أفضت الحرب الأوكرانية لتأثيرات دائمة في الإقليم وما وراءه، من بينها إحداث تبدلات في المتحالفين ذوي العلاقة بهذه الحرب، لذا فإن للحرب الأوكرانية تأثيرها الجيوسياسي على أوراسيا، ودول الإقليم، والأقاليم المجاورة له، هذه التأثيرات أضحت بدورها مجالا محوريا للنقاشات المكثفة، ليس فقط في الدوائر السياسية، بل وحتى في مجتمعات الأكاديميين والخبراء كذلك. وبغية فهم هذه التحولات الكبرى التي تعيد تشكيل المنطقة خلال الحرب الأوكرانية، ولإلقاء مزيد من الضوء على أبرز النقاشات المتصلة بالوضع الجيوسياسي الراهن في أوراسيا إبان الحرب الأوكرانية، عقد مركز أبحاث السياسات الدولية (سي آر آي بي) ورشة بالتعاون مع مركز تحليل العلاقات الدولية يوم 15 فبراير 2023، والتي ضمت علماء وأكاديميين ومهنيين في المجال من قطر، وأذربيجان، وتركيا، وجرى إعداد هذا الموجز السياسي: "أوراسيا بعد الحرب الأوكرانية" بناء على أبرز النقاشات في الورشة.
أوراسيا وأثر الحرب الأوكرانية
أفرزت الحرب الأوكرانية عددا من التقلبات المختلفة، ومنذ مرور ذكراها السنوية الأولى دون حل، فإن موقع القوى الغربية من الناحيتين الأمنية، والسياسية من الحرب، قد ترك أثره البارز على مسار تطورها، ما قاد لأزمة في مجال الطاقة بدأت في الاتحاد الأوروبي، لتصل فيما بعد إلى بقية العالم، كما جعلت هذه الحرب القوى العظمى المتنافسة عالميا لبؤرة الاهتمام، فقد استجابت القوى الغربية لهذه الحرب بفرض عقوبات على روسيا، فرضها الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والدول المناصرة للغرب، حيث تضمنت تلك العقوبات قيودا على القطاعات المالية، والصناعية، وقطاع الطاقة، والبنك المركزي في روسيا.
قادت الحرب الأوكرانية- الروسية لتحديات أمنية مختلفة لدول أوراسيا من بينها: مشاكل الهجرة من روسيا، وانخفاض التحويلات المالية، وخسارة ضخمة في تدفق الاستثمارات الأجنبية، كما أدت العقوبات لتأثيرات اجتماعية -اقتصادية، حيث ارتفعت معدلات التضخم، وعجز الميزانية، إضافة لاضطرابات اجتماعية، وعند أخذ الموقف الراهن في أوراسيا بعين الاعتبار، فثمة تغيرات عديدة في التحالفات الإقليمية، تزامنت مع الصراعات، والتوترات الإقليمية.
فقبل الحرب، وبينما كان التوتر يتزايد بين روسيا، وأوكرانيا، زار الرئيس الأذري إلهام علييف بزيارة أوكرانيا، ثم روسيا، وقد حافظت أذربيجان على سياستها المتوازنة تجاه البلدين المتصارعين، نظرا لكونها ذات روابط سياسية، واقتصادية عميقة بالبلدين كليهما، وفي الوقت ذاته، وبينما كانت أذربيجان تزود أوكرانيا بالمساعدات الإنسانية، وتدعم وحدة أراضيها، فإنها في المقابل، لم تقف ضد روسيا بصورة واضحة، بينما استجابت للمهددات الأمنية المحيطة التي نشأت في الإقليم عبر تعميق تعاونها الأمني، والعسكري مع تركيا في إطار منظمة الدول الناطقة بالتركية "أو تي إس"، في موازاة ذلك، فإن مجموعة عدم الانحياز قد أبرزت سياستها بصورة واضحة، وجعلتها أكثر وضوحا في هذا المجال، فأمن آسيا الوسطى يقع ضمن منطقة تنافس متعددة المستويات من القوى العظمى ممثلة في روسيا والصين، وبقية اللاعبين الإقليميين، حيث تبقى روسيا رقما صعبا في الإقليم رغم ضعف موقفها بعد تورطها في الحرب الأوكرانية، وأزمة مجموعة فاغنر أواسط 2023، في المقابل، فإن الولايات المتحدة الأمريكية رقم مهم في الإقليم ذاته، بينما تقنن الصين علاقاتها وفقا لاختيارات محددة، أما إيران، والاتحاد الأوروبي فيلبعبان أدوارا أقل بروزا في المنطقة، فنفوذ إيران أقل نسبيا في آسيا الوسطى، إذ توجد في المنطقة أربعة دول تتحدث اللغة التركية هي: كازاخستان، وقرغيزستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، أما طاجيكستان فتتحدث الفارسية، برغم إمكانية أن يكون لإيران أثر ثقافي أكبر على هذه الدولة، من جهة أخرى، تبدو أفغانستان تبدو نقطة تهديد أمني، وتوتر في المنطقة، وإذا أخذت الآليات الداخلية في منطقة آسيا الوسطى بعين الاعتبار فإن هناك قضايا أخرى عديدة مماثلة من بينها: قضايا انتقال الطاقة، وأمن الحدود، وإدارة المياه ضمن قضايا أخرى.
من ناحية أخرى، فإن الحرب الأوكرانية أجبرت دول حوض بحر قزوين على الإقرار بأهمية الإمكانات التي يتيحها التعاون الدوي لصالح إقليم بحر قزوين، وهو تعاون ممكن في مجالات المواصلات، والمبادرات الأمنية المشتركة، والتجارة، والقضايا الإنسانية، وإضافة إلى ذلك وبأهمية خاصة تفوق ما ذكر: الطاقة، وهناك فرص لتعاون دول الخليج مع دول حوض بحر قزوين عبر الروابط العابرة للروابط الإقليمية، إضافة للطاقة، والمنتجات الزراعية، كما أن هناك قضايا أكثر أهمية تتصل بالجوانب الإنسانية، وهي جوانب يمكن إبرازها أكثر عبر العمل بين دول المنطقتين: دول الخليج مع دول حوض قزوين.
الاقتصاد الروسي وقطاع الطاقة بعد اجتياح أوكرانيا
توضح المؤشرات الأولية أن الاقتصاد الروسي سيواجه انكماشا بما بين 8-11% في العام 2022، ويمكن النظر إلى هذه الموجة على الاقتصاد الروسي بحسبانها موجة أولية لصدمة ردة الفعل الأولى على العقوبات الاقتصادية، بينما حدث استقرار لمقاييس محددة، فإن تراجع الظروف الاقتصادية عموما لم ينته بعد، ويوضح المتخصصون أن تراجع الاقتصاد سيتواصل، ولا تلوح في الأفق أي علامة على استقرار الاقتصاد الروسي بعد، وبرغم التوقعات باستمرار انكماش الاقتصاد الروسي، فإنه سيكون انكماشا بوتيرة أقل مما حدث في العام 2022.
يبقى انكماش الاقتصاد الروسي غير قابل للتنبؤ بمداه، ومن ناحية أخرى، فإن روسيا بحاجة ماسة لإعادة إدماج مساراتها للتزويد، والتبادل مع الاقتصاد العالمي ككل، إضافة للحاجة لاستثمارات لإنجاز بنية تحتية عالية المستوى تسمح باستمرار اقتصادها بحيوية، وبطبيعة الحال، سيقتضي ذلك كله دعما ماليا مستداما، بينما سيستمر تأثير العقوبات الاقتصادية في مجال الطاقة بصورة واضحة، في الوقت ذاته، فإن عوامل المخاطر السلبية المؤثرة على أداء الاقتصاد الروسي، تشير أيضا إلى انكماش عالمي، وذلك بالنظر إلى المحدودية الطبيعية لأسواق النفط والغاز، وانحسار الخيارات اللوجستية، والقيود على خطوط الأنابيب الموجودة، والمستثمرين في مجال أدوات النفط، والغاز، كما أنه من المتوقع استمرار تقلبات أسعار النفط، والغاز الوارد طوال عام 2023م وما بعده.
وبما أن الحرب الروسية – الأوكرانية لم تنته بعد، وقد نتج عنها متغيرات عديدة بالنظر للحركة العسكرية على الأرض، وبرغم أن قطر جغرافيا ليست جزءا من هذا الصراع، إلا أنه من نواح اقتصادية وإنسانية، فإن قطر تعتبر قريبة للغاية من هذه الأزمة، فمن الناحية الاقتصادية، مثلت إمدادات قطر من الغاز الطبيعي المسال فرصا كبيرة لمواكبة احتياجات أوروبا، واعتمادها على إمدادات الطاقة الأخرى، وقد أسهمت قطر بصورة إيجابية في التعامل مع أزمة الطاقة في أوروبا، وذلك بعد توقيع تعاقدات مع دول أوروبية محورية، فازداد الاعتماد على الغاز الطبيعي القطري، وعلى الصعيد الإنساني فإن دولة قطر دعمت مبادرات الحبوب لأجل أوكرانيا، والمبادرات الإنسانية الأخرى في الإقليم، لقد اختارت قطر موقع الانحياز لدور القانون، والحلول السلمية للصراع، حيث تتمتع قطر بعلاقات جيدة بروسيا، وأوكرانيا كلتيهما، ومنذ بداية الحرب، أوضحت قطر للجانب الروسي بأنها ضد هذا العدوان، لكنها من جانب آخر أبقت قنوات الاتصال مفتوحة، وبقيت وفية لإيجاد حلول سلمية، والوساطة بين الأطراف المتصارعة.
القوى العظمى المتنافسة والأقاليم ضمن أوراسيا
إبان الحرب – الروسية الأوكرانية، اهتمت دول جنوب القوقاز، وآسيا الوسطى بالآثار غير المباشرة للصراع على جوار المنطقتين، وتحت النفوذ الروسي، فإن الإقليم بين أوروبا، وآسيا يضم كذلك دول جنوب القوقاز، وقد ترك اجتياح القوات الروسية لأوكرانية أثره على السياسة، والأمن، والاقتصاد في أوروبا، خاصة فيما يتعلق باعتماد أوروبا على إمدادات الطاقة الروسية.
لقد واصلت الولايات المتحدة مساعيها مع بنائها حلقا قويا مع أعضاء الناتو، والاتحاد الأوروبي، وذلك بصدد فرض العقوبات على روسيا، وتزويد أوكرانيا بالتمويل، بينما نسقت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة جهودهما مع آخرين لمضاعفة عقوبات أكثر صرامة على روسيا، لتشمل مجالات متنوعة، وفوق ذلك، وبهدف ردع العدوان الروسي، فإن الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي سعيا سوية لتعزيز حضورهما العسكري في وسط، وشرق أوروبا، وذلك عبر إدماج كل من السويد، وفنلندا في صفهم، كما كثفوا تسليح قواتهم بشكل إضافي في أوروبا، ولم تخف الصين في المقابل تحالفها مع روسيا، لكنها لم تمض قدما نحو تزويد روسيا بعتاد عسكري، إذ أن لدى الصين مساحة أوسع للحركة في إقليمها المجاور لها.
لقد فرض الاتحاد الأوروبي حلقات متعددة من العقوبات على روسيا، ومنذ 2022، قدم المزيد من الدعم العسكري، والمالي لأوكرانيا، وانخرط الاتحاد الأوروبي في تعاون أوسع مع الناتو، حيث أعاد صياغة وتشكيل سياسته الأمنية والدفاعية المشتركة (سي إس دي بي)، وسياسة الجوار (إي إن بي) وذلك استجابة للوقائع الجيوسياسية الراهنة، وقد خططت دول الاتحاد الأوروبي لتخفيض اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية، وتقدر حصتها بنحو 8-9% من مجمل استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوروبي، الذي يهتم الآن بالتوريد من دول يمكن الاعتماد عليها بثقة أكبر كأذربيجان، ومصر، وقطر، والولايات المتحدة.
وبالنظر للوقائع الحيوسياسية الراهنة، فإن الاتحاد الأوروبي قد غير دوره الأمني في شرق أوروبا، حيث يسعى الآن إلى الانخراط أكثر مع الشركاء الشرقيين لحقبة جديدة، حيث باشر في بعض المبادرات في هذا الصدد، من بينها: ما تقوم به بعثة الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا، ومولدوفا، وأرمينيا، حيث يسعون هناك لتحقيق الاستقرار في المناطق الحدودية، إذ يعي الاتحاد الأوروبي أهمية ذلك الإقليم استراتيجيا، آخذا بعين الاعتبار أهمية ممرات المواصلات بها، وموارد الطاقة، كما تزداد الروابط والصلات الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي، وجنوب القوقاز، وذلك عبر تطوير العلاقات الثنائية، والتعاون الإقليمي، وذلك في إطار مرن، وشامل ضمن تصورات الشراكة الشرقية.
تلعب أذربيجان دورا حيويا للغاية في إقليم جنوب القوقاز، وقد تخلق إفرازات الحرب الروسية – الأوكرانية فرصا جديدة، كما قد تخلق عددا من التحديات لأذربيجان، أما الفرص فيمكن تكوينها عبر التعاون بين أذربيجان، ودول الخليج، علاوة على ذلك، فإن أذربيجان تقع في حوض بحر قزوين، وفي ملتقى طرق مواصلات يربط الشرق بالغرب، والشمال بالجنوب، وهو موقع حيوي للغاية للأسواق العالمية، وهذه المميزات تتيح فرصا متنوعة لأذربيجان فيما يتعلق بالتعاون مع دول الإقليم.
من ناحية أخرى، فأذربيجان إحدى الدول التي قبلت التحويلات الروسية، رغم أنها تلعب دورا في هذا المجال أقل من أرمينيا، وجورجيا، غير أنه وبالنسبة لأذربيجان، فإنها قللت التعاملات، وخفضت التجارة مع روسيا، وترك هذا أثرا محدودا خاصة على مصدري المنتجات الزراعية، وموردي المنتجات الغذائية، وفي الوقت نفسه، فإن أذربيجان لا تزال تستورد القمح من أوكرانيا، وروسيا كلتيهما، وفي هذا المجال، فإن الحرب الراهنة خلقت بعض التحديات، خاصة أن روسيا قننت التصدير لصالح مواجهة المتطليات الداخلية، وهو ما دفع أذربيجان للسعي لإيجاد مصادر بديلة.
المستجدات الجيوسياسية في حوض قزوين وإقليم الخليج وأثر الحرب الأوكرانية:
تركت الحرب الروسية – الأوكرانية مضاعفات واسعة المدى على الإقليم الأوسع، والمناطق المجاورة جغرافيا، فالمعطيات الجيوسياسية المتعلقة بالطاقة التي انبعثت مع بداية الصراع، قد أوجدت فرصا، وتحديات جديدة لدول الخليج، بالاتجاه الآخر، ونظرا لكون دول حوض قزوين مكتنفة جغرافيا، فإنها بحاجة لبنية تحتية، ودول وسيطة تمرر عبرها إمداداتها من الطاقة للأسواق العالمية، كما يتميز الإقليمان كلاهما بغناهما بموارد الطاقة الهيدروكربونية، واعتماد اقتصادهما على عوائد الطاقة، وقد أبرز الصراع الروسي – الأوكراني التقلبات التي يمكن أن تحدث في أسواق الطاقة العالمية، كما كشفت العقوبات المفروضة على الطاقة الروسية أهمية موارد الطاقة في هذين الإقليمين.
ومنذ بداية الحرب، فإن دول آسيا الوسطى كانت متأثرة مباشرة بالحرب، وذلك فيما يتعلق بالعوامل الاجتماعية – الاقتصادية كارتفاع تكاليف المعيشة، وأسعار الغذاء، وارتفاع أسعار الطاقة، وذلك بالأخص في قرغيزستان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، وهي البلدان الأكثر تأثرا بالحرب، وقد أدت العقوبات على روسيا لحالة من عدم اليقين، والتي ظهرت في شكل تحديات لدول آسيا الوسطى، بل والأكثر من ذلك، فإن كازاخستان الدولة ذات الاقتصاد الأضخم في المنطقة، والغنية بالطاقة، قد تأثرت بالحرب، فلمدة عشرين عاما مضت، كان النفط الكازاخي كان يشحن عبر اتحاد أنابيب بحر قزوين (سي بي سي) لنفورسياسك في روسيا، والتي تزود الأسواق العالمية، ولذلك فإن الحرب الروسية – الأوكرانية ستؤثر على العلاقات الروسية الكازاخية.
من منظور عام، فإنه وتبعا للحرب في أوكرانيا، فإن دول آسيا الوسطى ينبغي عليها النظر بعين الاعتبار للبيئة الجيوسياسية الجديدة، وللتعاون الإقليمي، إذ تحاول كل من الصين، وروسيا، والولايات المتحدة، وتركيا لاكتساب مزيد من النفوذ في الإقليم، كما ستتيح إفرازات الحرب الروسية – الأوكرانية فرصا جديدة، وستخلق تحديدات جديدة كذلك لدول آسيا الوسطى، ولهذا، فينبغي على هذه الدول تعميق التكامل الإقليمي، والتوازن، وخيار مصالح "القوة الثالثة" في الإقليم، وقد لوحظ في السنوات الأخيرة تنامي، ونشاط العلاقات بين دول آسيا الوسطى الناطقة بالتركية مع تركيا، وأذربيجان، ولدى تلك الدول تحديدا اهتمام في تعميق روابطها الاقتصادية، والدفاعية مع تركيا، وفي الوقت ذاته، فإن القرارات المتعلقة بالطاقة، والمواصلات تبرز بشكل متزايد ضمن إطار عمل منظمة الدول الناطقة بالتركية (أو تي إس)، يأتي ذلك في ظل الفرص المحتمل بروزها بعد الحرب، وكذلك رغبة تلك الدول في تعزيز التضامن فيما بينها من جانب آخر، خاصة أن مسعى جديدا برز في إطار منظمة الدول الناطقة بالتركية (أو تي إس) لتطوير منصة تعاون بين دول جنوب القوقاز، وآسيا الوسطى، حيث تقود أذربيجان هذا المسعى حاليا.
تفاعل تركيا مع التعديلية الروسية:
في معالجة متطورة، فإن تركيا تفاعلت مع تحدي حرب روسيا على اوكرانيا، فمن حيث المبدأ حاولت تركيا تلطيف التعديلية الروسية، والتواؤم معها، عوضا عن محاولة مجابهتها، أو السعي لاستراتيجية متوازنة، بالأحرى قررت تركيا التواؤم مع روسيا، وهو موقف لا يتصل فقط بالعلاقات الثنائية مع روسيا، أو حتى سياسات أنقرة في إقليم حوض البحر الأسود، أو القوقاز، ولكنها ترتبط أيضا بعلاقات تركيا بعالم عبر الأطلنطي.
إن موقف تركيا من الحرب الروسية – الأوكرانية متأثر بعدة أحداث، وخبرات داخلية، وإقليمية، ودولية، فتركيا لديها أسبابها والتي ترجع بدرجة كبيرة إلى فهم تركي تقليدي يرتكز على الحفاظ على استقرار منطقة البحر الأسود، وهذا الفهم يمثل أحد الأركان الرئيسية لاستراتيجية الدولة في تركيا، وهذا ما يفسر تمسك تركيا بردة فعل متوازنة تجاه روسيا، وقد حافظت على استراتيجية التواؤم مع روسيا، وأخيرا فإن تركيا تدعم وحدة الأراضي الأوكرانية، بينما تحافظ على روابطها، وصلاتها بروسيا، بما يشمل ذلك في بعض الجوانب المجال الاقتصادي، وبينما تقدم أنقرة دعما سخيا لأوكرانيا، إلا أنها تتجنب عزل روسيا، وفي بعض المجالات فإن روسيا تتقدم لتعميق روابطها الاقتصادية مع روسيأ.
توصيات سياسية:
تدعم أذربيجان وحدة الأراضي الأوكرانيا، ومنذ بدء الحرب، دعمت أذربيجان المساعدات الإنسانية لأوكرانيأ، والسعي الأوروبي للبحث عن مصادر جديدة للطاقة، وبغض النظر عن ذلك، فإن باكو أيضا حافظت على علاقاتها مع روسيا، ولم تحول دعمها لأوكرانيا لسياسة معادية لروسيا، بينما تنادي قطر جميع الأطراف للعمل لحل سلمي للأزمة الروسية- الأوكرانية عبر الحوار، والوسائل الدبلوماسية، وساهمت قطر في مساع متعددة الأطراف، واستجابت لأزمة الأمن الغذائي، بحسبانها فاعلا دوليا موثوقا، كما دعمت قطر موقف أذربيجان في قضية كاراباخ، ومن وجهة نظر قطرية، فإن الحلول التفاوضية، والسلمية كفيلة بحل المشكلات المتبقية بين أذربيجان، وأرمينيا بما سيخدم الاستقرار، والأمن في إقليم جنوب القوقاز، الذي سينعكس إيجابا على إقليم الخليج.
في هذا السياق، يمكن تقديم التوصيات السياسية الآتية:
- أوجدت الحرب الروسية – الأوكرانية فرصا عديدة، وتحديات متنوعة كذلك لكل من الشرق الأوسط، وجنوب القوقاز، وقد عزز البحث العالمي عن مصادر بديلة للطاقة من مكانة قطر، وأذربيجان كدول مصدرة للغاز الطبيعي المسال، من ناحية أخرى، فإن البحث عن طرق جديدة للمواصلات بين الشرق، والغرب قد عزز أهمية الممر الأوسط، وعليه فإن الحاجة ماسة للتعاون بين الشرق الأوسط، وجنوب القوقاز، وهنا يمكن أن تلعب كل من قطر، وأذربيجان دورا رائدا.
- تصاعد التحول نحو عالم متعدد الاٌقطاب بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية، وفي ظل هذه التحولات تزداد أهمية النزعة الإقليمية، وتكتسب زخمها، وفي هذا السياق، تزداد الحاجة للتعاون بين إقليم جنوب القوقاز، وآسيا الوسطى، وبين الإقليمين من جهة، والخليج من جهة أخرى.
- أذربيجان دولة هامة في جنوب القوقاز، ومنصة آسيا الوسطى للتعاون، وعضو في منظمة الدول الناطقة بالتركية (أو تي إس)، وفي هذا السياق، يمكن أن تصبح أذربيجان وسيطا هاما لتطوير التعاون بين قطر، ودول آسيا الوسطى.
- أذربيجان وقطر تعتبران بلدين شريكين لتركيا، وقوة إقليمية ولديها معطياتها الدولية، وفي هذا السياق، تبدو الحاجة لمحادثات ثلاثية بين قطر، وأذربيجان، وتركيا ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل.
- يمكن لكل من قطر، وأذربيجان التعاون في الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة.
- يمثل أمن الطاقة قضية حيوية، وهامة لكل من قطر، وأذربيجان، ويمكن للبلدين كليهما التعاون في هذا المجال.
- حافظت قطر على خطوط اتصال مفتوحة بين الأطراف المتصارعة في الحرب الروسية- الأوكرانية، وهو ما قد ييسر جهود الوساطة ما يعني إمكانية أن تكون جزءا من عملية الوساطة السياسية المحتمل حدوثها عند اقتراب الأزمة من نهايتها، ويمكن أن تكون قطر، وأذربيجان جزءا من المسار المفضي لإنهاء الأزمة، كما يمكن لهما العمل بالتعاون مع مختلف الفاعلين للتعامل مع مرحلة إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب.
- باعتبار أن قطر، وأذربيجان تعتبران دولتين بارزتين غير غربيتين، فلديهما فرص كبيرة، وواعدة في مجال العمل معا لمكافحة الإسلاموفوبيا، وذلك بتضمين نتائجها الاجتماعية، والجيوسياسية في إطار الثقافة، والعوالم الواقعية التي تنتمي الدولتيان إليها.
عن المؤلفين:
- نيفيرا إيسنتورك: أستاذ مساعد في جامعة يلوا.
- جاويد فيلييف: دكتور في العلاقات الدولية، ورئيس قسم تحاليل السياسات الخارجية في مركز تحليل العلاقات الدولية (إيه آي آر).
عن مركز أبحاث السياسات الدولية:
مركز أبحاث السياسات الدولية (CIPR) مركز أبحاث يهتم بالجوانب الاقتصادية، والسياسية، والطاقة، والأمن في دول مجلس التعاون الخليجي، مقره في الدوحة، ومركز (CIPR) مختص في تحليل المخاطر السياسية، والحكومات، واستشارات المؤسسات، وحل الصراعات، ومسار الدبلوماسية الثاني، واساشارات التنمية والشؤون الإنسانية، وإدارة الفعاليات في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وما حولها، و(CIPR) يهدف المركز ليصبح منصة أساسية في مجالات الحوار، والمناظرة في الإقليم، علاوة على المنشورات، والفعاليات، والإنتاج الإعلامي، وذلك بهدف إنعاش الفهم الشمولي للأدوار المتبادلة في المنطقة، وذلك عبر مقاربات متميزة، وعلمية، حيث يمثل (CIPR) منصة تجمع مختلف الأصوات من المجتمع الأكاديمي، وعالم السياسات، والأعمال من الإقليم، والمراكز الوطنية المختلفة، والعمل على إنتاج أفكار جديدة برؤى جديدة لقضايا الإقليم.