قطر - إسبانيا: الشراكة الاستراتيجية الجديدة في سياق عالم أكثر استقطابا

ليتيسيا رودريغيز جارسيا

تحلل هذه الوثيقة المنشورة التحالف الاستراتيجي الجديد بين حكومة إسبانيا ودولة قطر، والذي جرى توقيعه بين الجانبين في مايو 2022، وتأتي هذه الاتفاقية في سياق الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، وأزمة الطاقة التي حدثت بسبب وباء كوفيد -19، والحرب المستمرة في أوكرانيا، وتعتبر الاتفاقية القطرية – الإسبانية ذات تأثير كبير في المجال الأوروبي، نظرا للاعتماد على الطاقة، والخلخلة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، وفي إطار انشغال كل دولة على حدة بالمجالات التي جرى التفاهم، والتوقيع بين الجانبين عليها، ووجود استراتيجية وطنية في كل مجال، فقد حددت كل دولة مجالين للاستثمار: مجال الطاقة ومجال الابتكار والتنمية، حيث يعتزم البلدين كلاهما تطوير استراتيجياتهما الاستثمارية، وستوصي الدراسة الراهنة بتعزيز بعض مجالات العمل، لا سيما تلك المخصصة للتعليم والبحث.

المقدمة

يشهد العالم استقطابا متزايدا، وقد أدت الأزمات المتتالية لإضعاف ثقة المجتمع بالمؤسسات المختلفة، ويتضح هذا في كل انتخابات جديدة، فهناك معدلات عالية من الامتناع عن التصويت، كما أدت تزايد ظهور حملات مضللة معلوماتيا، ونشوء أزمات اجتماعية لظهور بدائل سياسية، وأعمال مضادة للمؤسسات المختلفة، علاوة على إنكار تغير المناخ، ووقائع وباء كوفيد-19، ويمكن وضع الأزمات التي حدثت مؤخرا في إطار حقبة ما بعد الحقيقة، حيث يتضاءل تأثير الحقائق الموضوعية على الرأي العام، ويتزايد الخطاب العاطفي، وتأثير الاعتقادات الشخصية على السلوك العام، علاوة على أن هناك استياء عاما من المؤسسات السياسية المختلفة، كما أن الأحزاب تميل لاستمالة المشاعر لتوليد خطاب ذو طابع رجعي، وغالبا ما تمتليء بأخبار مزيفة، في هذا الإطار الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي تطورت اتفاقية استراتيجية جديدة بين إسبانيا، وقطر، وهي اتفاقية ذات تأثير أوروبي، وتتضمن محورين رئيسيين: الطاقة ، والاستثمار في الابتكار والتطوير.

وتحلل هذه الورقة المنشورة الاتفاقية الاستراتيجية الجديدة بين حكومة إسبانيا ودولة قطر التي جرى توقيعها خلال زيارة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى مملكة إسبانيا، وذلك من خلال التعرف على أبرز مجالات التفاهم الواردة في الإعلان، والاستراتيجيات الوطنية للبلدين كليهما، والظروف السياسية الحالية، وتحلل الاستثمارات الممكنة ومجالات العمل اللازمة لتحقيق أقصى استفادة من هذه الاتفاقية الاستراتيجية الجديدة.

الموقف في أوروبا: جائحة وحرب غير متوقعة وعالم أكثر استقطابا

سلطت الأزمة الصحية الناتجة عن وباء كوفيد-19 الضوء على أهمية الاستثمار في العلوم، وفي الوقت ذاته، عززت تلك الأزمة حالة عدم المساواة بين شمال وجنوب العالم، فقد توقفت الصناعة، والتجارة، فظهرت أزمة اقتصادية عميقة، وذات عواقب غير متوقعة، كما أدى إغلاق خطوط ومصادر التجارة العالمية إلى انخفاض الطلب، وتباطؤ نمو الاقتصادات، كان هذا التأثير عقبة في طريق البلدان ذات الاقتصادات القوية، أما بالنسبة للبلدان ذات الاقتصادات الأضعف، فإن جائحة كوفيد-19 كانت سببا للاضطراب الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي.

وفي المقابل، وبعد تحسن الوضع بسبب اللقاحات، أدى انطلاق الاقتصاد العالمي إلى زيادة الطلب التي لم تستطع البلدان المنتجة للسلع الأساسية استيعابها، وأصبح العجز في تلبيته على المدى القصير مشكلة للاقتصاد العالمي، مما خفض معدلات النمو، وقاد لارتفاع التضخم، وزيادة الفقر عالميا مع ضيق الأسواق وانخفاض الدخل وارتفاع الأسعار.

لكن الأزمة الاقتصادية تسارعت مع اندلاع الحرب في أوكرانيا في بداية عام 2022، فتكونت ثلاثية مترابطة مع بعضها من حيث الأسباب، فالأزمة الاقتصادية الناتجة عن كوفيد-19، وأزمة الطاقة مع ارتفاع أسعارها منذ نهاية 2021 برغم زيادة الطلب بعد فتح الأسواق العالمية بعد انتهاء الوباء، إلا أن الحرب في أوكرانيا فاقمت الموقف، بسبب العقوبات الاقتصادية على الغاز الروسي المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي، كما قطعت روسيا الإمدادات ردا على هذه العقوبات، فازدادت أسعار الطاقة التي يدفعها المستهلكون الأوروبيون، وصار من الشائع سماع عبارة "ضعف الطاقة"، وهي عبارة تعبر عن تجربة الأسرة لحالة لا تتسلم فيها الأسرة كمية كافية من الطاقة، أو لا تمتلك القدرة على سداد فاتورة الكهرباء، وهي مشاكل تشمل كذلك الشركات الصغيرة، والمتوسطة، والتي تشكل غالبية مجتمع الأعمال في عدد كبير من البلدان، إذ تؤثر زيادة أسعار الكهرباء على النسيج الإنتاجي للبلدان، فتزداد صعوبة الإنتاج بسبب ارتفاع تكاليف الكهرباء، حيث يقود ذلك إلى ارتفاع الأسعار، وأزمة اقتصادية مواكبة، مع فقدان القوة الشرائية في المجتمع، كما أن انخفاض القوة الشرائية متفاوت بين بلد وآخر، لكن في جميع بلدان منظمة التعاون الاقتصادي، والتنمية يجتمع انخفاض القوة الشرائية، مع عدم كفاءة شبكات الأمان الاجتماعي، وارتفاع تكاليف المعيشة، ما يمثل أرضا خصبة لتزايد القلق الاجتماعي، مما يؤدي إلى أزمة اجتماعية أساسية.

يمكن فهم "الأزمة الاجتماعية" على أنها اضطراب في المجتمع العالمي، يؤثر على التوازن العام والأداء العادي للحياة الاجتماعية، لقد أثرت أزمة كوفيد-19، والحرب في أوكرانيا على المجتمع العالمي، وكانت هذه الأزمة أكثر وضوحًا في البلدان المعتمدة بشكل مباشر أو غير مباشر على البلدان المتنازعة، وكذلك بلدان الجنوب، كما ينعكس التأثير على أوروبا من خلال الاضطرابات الاجتماعية التي بدأت تظهر في معظم دول القارة، فالاحتجاجات في فرنسا في الأيام الأخيرة علامة على ذلك، كما تشهد المملكة المتحدة إضرابات في قطاع السكك الحديدية هي الأكبر من نوعها في الثلاثين عامًا الماضية، أما في بروكسل ، نزل آلاف الأشخاص إلى الشوارع للاحتجاج على ارتفاع الأسعار وركود الأجور.

شراكة استراتيجية جديدة: بين الطاقة والأمن الغذائي من خلال استثمارات الابتكار

أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين: إسبانيا وقطر في عام 1972 على المستوى الدبلوماسي، على مستوى السفراء غير المقيمين، وقد حافظ البلدان على علاقات متطورة على المستويين السياسي والاقتصادي، وقد تعززت بافتتاح السفارة الإسبانية في قطر في أكتوبر 2003، والبعثة الدبلوماسية القطرية في إسبانيا في عام 2004، وطوال هذه السنوات، كانت الزيارات الرسمية مستمرة بين البلدين، فقد زار العاهل الإسباني دولة قطر لأول مرة عام 1990، ثم مرة أخرى في عامي 2003 و 2006. ومن جهته، قام صاحب السمو أمير دولة قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بزيارة إسبانيا لأول مرة في عام 2004، ومرة أخرى في عام 2011. وكانت آخر زيارة دولة لحضرة صاحب السمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني في يونيو 2022، واحتفلت هذه الزيارة بالذكرى الخمسين للعلاقات الثنائية بين البلدين، والتي اختتمت بتوقيع اتفاقية استراتيجية جديدة بين البلدين. مما عزز العلاقات الودية بين الإمارة القطرية والحكومة الإسبانية.

تحدد الشراكة الجديدة إسبانيا كشريك استراتيجي لقطر على قدم المساواة مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا والصين واليابان، الوضع الجديد يرفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى أكبر من التعاون والتآزر. تركز الاتفاقية التي وقعها الطرفان خلال زيارة الدولة في مايو 2022 جهودها على أربعة محاور عمل:

  • حوارات استراتيجية حول القضايا العالمية والإقليمية
  • إطار للاستثمار والتعاون المالي والتجاري والاقتصادي
  • تعزيز نظام التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والتعليم
  • تطوير أشكال جديدة من التعاون في الشؤون القضائية، وفي مجالات الصحة والعلوم والابتكار

لهذه الشراكة الإستراتيجية الجديدة [1] ركيزتان أساسيتان: من ناحية، ضمانات لأمن الطاقة لإسبانيا، ومن ناحية أخرى، الاستثمار في مشاريع الابتكار، والتنمية لقطر، ومن خلال جهاز قطر للاستثمار (QIA)، تعتزم قطر استثمار أكثر من 5 مليارات يورو في إسبانيا في مشاريع مختلفة تتعلق بالبنية التحتية والأعمال التجارية الزراعية، وقطاع المياه، وهي مجالات أساسية لرؤية قطر الوطنية 2030، ومن الجانب الإسباني، فالاتفاقية تضمن أمن الطاقة من خلال توفير ظروف استثمارية آمنة وموثوقة، مع إطار قوي للانتعاش الاقتصادي الذي يعد معيارًا هاما داخل الاتحاد الأوروبي، على الرغم من الوباء والحرب في أوكرانيا [2].

العلاقات الاسبانية القطرية: البعد الأوروبي

تركز هذه الخطوة الجديدة جهودا أكبر للحفاظ على سبل الحوار والتعاون في الشؤون العالمية والإقليمية، ومع ذلك، فإن تعزيز العلاقات بين البلدين يأتي في وقت حرج بالنسبة لإسبانيا والقارة الأوروبية

لقد سلطت الحرب في أوكرانيا الضوء على نقاط ضعف الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة، وافتقاره إلى البصيرة في سيناريوهات الأزمات، فقد اضطر الاتحاد الأوروبي إلى خطوات مرتجلة منذ بدء الهجوم الروسي، مما دفعه إلى إعادة النظر في سياسات الطاقة الخاصة به. فكان لا بد من مراجعة الصفقة الأوروبية الخضراء، التي تعهد الاتحاد الأوروبي من خلالها بأن يصبح اقتصادًا خاليًا من الكربون بحلول عام 2050 ، بما في ذلك الطاقة النووية والغاز الطبيعي كطاقات نظيفة ضرورية للتحول البيئي

وينتج هذا التغيير في سياسة الطاقة الأوروبية عن اعتماد بلدان وسط وشمال أوروبا في مجال الطاقة على الغاز الروسي ، والذي ترك أثره على أقوى اقتصاد في منطقة اليورو، والأكثر تنافسية: ألمانيا. أصبحت الطاقة الشغل الشاغل للحكومات الأوروبية، ليس فقط بسبب التأثير الاقتصادي ولكن أيضًا بسبب التأثير الاجتماعي والسياسي الذي يمكن أن يحدثه فصل الشتاء مع قيود الغاز على الصناعة والأسر الأوروبية

جلب البحث عن بدائل للغاز الروسي شركاء تجاريين جدد إلى الصورة للمفوضية الأوروبية ، لكنه أظهر أيضًا نقاط ضعف نظام الطاقة الأوروبي، لأنه يفتقر إلى البنية التحتية لإعادة تحويل الغاز إلى غاز والترابط بين الجنوب والشمال، وقد تم تسليط الضوء على الافتقار إلى البنية التحتية في العديد من وثائق البرلمان الأوروبي إلى المفوضية الأوروبية، فضلاً عن خطر الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة. في اجتماعهم الأخير ، حذرت الدول الإحدى عشرة التي تشكل منتدى الدول المصدرة للغاز من أن ضعف البنية التحتية في مجال الطاقة، قد أدى لإشكاليات في مجال أمن الطاقة

الطاقة: إحدى ركائز الاتفاقية الجديدة

حتى توقيع هذه الاتفاقية، كانت العلاقات بين البلدين تقوم على أساس التعاون الاقتصادي والثقافي. إن الكلمات التي ألقاها سفير قطر السابق لدى إسبانيا [3] ، محمد الكواري، التي جمعها في كتابه "قطر رهان للحوار" ، تسرد المبادرات العديدة لكلا البلدين في هذه المجالات، فقد أصبحت قطر أول دولة عربية تستثمر مباشرة في إسبانيا، بينما تعمل أكثر من مائة شركة إسبانية في الأراضي القطرية. قطر حاليا هي ثاني دولة خليجية من حيث الاستثمارات في إسبانيا ، في المرتبة الثانية بعد الإمارات العربية المتحدة. يتم توزيع الاستثمارات القطرية من خلال صندوق الثروة السيادي، في جميع أنحاء نسيج الأعمال الإسباني. إبيردرولا ، بانكو سانتاندير ، جروبو بريسا ، وإل كورت إنجليس هي بعض الشركات التي تمتلك قطر حصة فيها

لقد دفعت أزمة الطاقة الحالية العديد من الدول الأوروبية إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع اللاعبين الاستراتيجيين في مجال الطاقة لضمان استمرار إمدادات الطاقة لصالحهم، وفي هذا الصدد، تعد قطر ثاني أكبر شريك تجاري في تصدير الغاز لإسبانيا، إذ تلي الجزائر في ذلك، وتطمح قطر من هذه الاتفاقية إلى أن تصبح المورد الرئيسي للغاز الطبيعي المسال لإسبانيا اعتبارًا من عام 2025، إضافة لزيادة صادراتها إلى الدول الأوروبية الأخرى بعقود طويلة الأجل. في إطار عملية إعادة هيكلة سياسة الطاقة الأوروبية، إذ تنشيء الاتفاقية الاستراتيجية الجديدة بين إسبانيا وقطر تحالفًا مثمرًا لكلا البلدين، وبهذا تواصل إسبانيا ضمان استقلالها في مجال الطاقة عن الغاز الروسي، وتكتسب قطر بهذا أيضا شريكًا لا غنى عنه لفتح سوق الطاقة الأوروبية

كما ذكر أعلاه ، فإن الافتقار إلى الروابط بين الجنوب والشمال يمثل أحد أهم مشاكل الاتحاد الأوروبي، لذا وقع الرؤساء الثلاثة لإسبانيا والبرتغال وفرنسا اتفاقًا هذا الأسبوع يمثل خطوة أخرى نحو استقلال الطاقة عن الغاز الروسي، وأحد المشاريع التي تحظى بالاهتمام هو "ممر الطاقة الخضراء" الذي يربط شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال) بفرنسا، على الرغم من أن هذا الخط يهدف إلى نقل الهيدروجين الأخضر، إلا أنه سينقل الغاز الطبيعي في سنواته الأولى، وذلك حتى اكتمال نقل الطاقة. يمكن أن يساعد هذا الممر الاتحاد الأوروبي على زيادة واردات الغاز وتحسين الاتصالات، كما أن الوصول بسرعة إلى الأسواق الأوروبية يعتبر إحدى ميزات الغاز الطبيعي المسال الذي تتم معالجته في إسبانيا، وذلك مقارنةً بناقلات الميثان، ويمكن أن يكون بمثابة أحد البدائل الأكثر قابلية للتطبيق للغاز الروسي. هذه شراكة إستراتيجية في لحظة حرجة للقارة الأوروبية التي تبحث عن شركاء جدد في مجال الطاقة. بالنسبة لإسبانيا ، التي تسعى إلى وضع نفسها كشركة رائدة في مجال الطاقة في الاتحاد الأوروبي ، ولقطر ، التي تسعى لدخول سوق الطاقة الأوروبية من منظور طويل الأجل. يعزز التحالف الجديد بين البلدين التعاون الاقتصادي والثقافي الموجود مسبقًا، ويشجع الاستثمارات الجديدة وسيناريوهات التعاون الأوسع في مجالات مثل الطاقة والابتكار والتنمية والتعليم

استثمارات قطر: مشاريع ابتكارية لتحسين الأمن الغذائي.

وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ، فإن مفهوم الأمن الغذائي يتحقق عندما يتمكن جميع الناس في جميع الأوقات من الوصول المادي والاجتماعي والاقتصادي إلى أغذية كافية وآمنة ومغذية تلبي احتياجاتهم اليومية من الطاقة وتفضيلاتهم الغذائية لنشاط نشط وحيوي. ولا يتوافق هذا التوافر المادي للأغذية مع العرض ولكن أيضًا مع مستوى إنتاج الغذاء ومستويات المخزون وصافي التجارة. قبل أزمة عام 2017 ، كانت قطر تستورد حوالي 90٪ من طعامها. كما دخلت 40 في المائة من إمداداتها الغذائية عبر الحدود البرية للمملكة العربية السعودية. في عام 2016 ، كان السوق الآسيوي المورد الرئيسي للمواد الغذائية لقطر ، تليها أوروبا والولايات المتحدة. وذلك وفقًا لبيانات البنك الدولي، كانت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من أبرز موردي المواد الغذائية في البلاد. وقد أحدثت أزمة عام 2017 تغييرا في الميزان التجاري للواردات. فقد أصبحت تركيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة المزودين الرئيسيين للغذاء لقطر. في مواجهة حالة عدم اليقين الناتجة عن أزمة عام 2017 ، تستثمر قطر في قطاعي الزراعة والأغذية ، لإنهاء هذا الاعتماد الخارجي أو الحد منه. خلال الأزمة ، كانت المزارع القطرية قادرة فقط على تلبية 15 في المائة من الطلب المحلي. بعد أول عامين من الحصار ، شهدت غرفة تجارة قطر زيادة في الإنتاج المحلي بنسبة 300٪ ، مما أدى إلى توجه لإعطاء الأولوية للزراعة المحلية وتربية المواشي. ومع ذلك ، فإن الظروف المناخية في قطر تمثل تحديًا للمشاريع الزراعية على هذا النطاق

في عام 2018 ، عملت الحكومة القطرية مع الشركات الإسبانية لتركيب أحدث بيوت محمية زراعية من خلال مشاريعها الاستثمارية الزراعية الاستراتيجية. في عام 2020 ، قدمت قطر الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي (2020-2023) ، والتي تحدد خارطة الطريق لزيادة الاكتفاء الذاتي الوطني من الخضروات الدفيئة بنسبة تصل إلى 70 ٪ ، والوصول إلى ما مجموعه 110 هكتارات من البيوت البلاستيكية عالية التقنية

البنك الدولي 2022 - واردات قطر من المنتجات الغذائية حسب الدولة والمنطقة - 2016-2019

وتعكس الشراكة الجديدة بين البلدين رغبة قطر وحاجتها إلى مواصلة الاستثمار في كافة المجالات التي توفر الأمن الغذائي. في مذكرتي التفاهم بين الوزيرين (وزير العلوم والابتكار الإسباني ، والأمين العام للمجلس القطري للبحث والتطوير والابتكار)، تم الإشارة صراحة إلى (البحث والتطوير). والابتكار في مجالات الطب والزراعة والغذاء والطاقة والتنقل والبيئة.

تعتبر إسبانيا رائدة في مشاريع تهيئة الظروف المناخية والتحكم في المناخ في البيوت المحمية الزراعية ، والتي يتم تطويرها في بلدان مختلفة في المنطقة ، مثل عمان ومصر. في هذه المرحلة الجديدة ، ستسعى قطر للاستثمار في التكنولوجيا الزراعية ، لتحقيق هدفها في الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي ، وهو مضاعفة الحيازات الزراعية في البلاد من 4٪ إلى 8٪.

مستقبل العلاقات

عاد البديل القطري في مجال الطاقة للساحة الأوروبية عقب الحرب في أوكرانيا ، ونية أوروبا الاستغناء عن الواردات الروسية، وتبرز إسبانيا كجهة فاعلة ذات صلة في أزمة الطاقة هذه ، كمورد محتمل للطاقة إلى القارة الأوروبية ، وكشريك تجاري لقطر بحثًا عن الابتكار الضروري لضمان أمنها الغذائي. دفع الوضع الحالي كلا البلدين إلى الارتقاء بالعلاقات الدبلوماسية القائمة إلى مستوى آخر ، معززة بالاستثمارات واتفاقيات التفاهم في المجالات الأساسية مثل الطاقة والعلوم والطب والابتكار والتعليم. تأتي هذه المراجعة للعلاقات الثنائية عندما يمكن للبلدين الاستفادة من سيناريو دولي يحدد ما يجب على البلدين تقديمه. في هذا السيناريو ، تكتسب إسبانيا نفوذًا داخل الاتحاد الأوروبي من خلال ممرها الأخضر ، مما يؤسس نفسها كوصلة طاقة بديلة على المدى القصير والطويل. تمكنت قطر من ترسيخ نفسها كمورد للطاقة لإسبانيا على المدى القصير ، وكبديل للغاز الروسي في الاتحاد الأوروبي. خط أنابيب الغاز الجديد الذي يربط شبه الجزيرة الأيبيرية بفرنسا هو مشروع لا يزال استثماره بحاجة إلى استعدادات محددة، ويعتبر الغاز (بجميع أشكاله ، الغاز الطبيعي المسال والغاز الطبيعي) والطاقة النووية طاقات ضرورية للوصول إلى الهدف المتمثل في أن يصبح الاقتصاد الأخضر الأول في العالم. تدرك قطر أهمية مكافحة تغير المناخ ، وفي سيناريو مثل السيناريو الحالي ، يمكن اعتباره جزءًا أساسيًا من مشروع انتقال الطاقة الأوروبي

على الرغم من أن الأفق الراهن مناسب لكلا البلدين، إلا أنه ينبغي تعزيز بعض المجالات. في التعليم العالي، بعض الجامعات القطرية لديها التزامات مع الجامعات الإسبانية. هذا هو حال جامعة قطر، التي وقعت مذكرة تفاهم مع أربع جامعات إسبانية عامة: جامعة بومبيو إي فابرا، وجامعة مدريد المستقلة، وجامعة كارلوس الثالث ، وجامعة برشلونة المستقلة. ويهدف توقيع المذكرة إلى التعاون بين البلدين على المستوى الجامعي، وتطوير المشاريع البحثية ذات الاهتمامات المشتركة، وتعزيز التبادل بين طلبة البكالوريوس والدراسات العليا. يشمل هذا التعاون إمكانية منح درجة مزدوجة بين الجامعات الإسبانية وجامعة قطر ، وهو مشروع رائد في المنطقة.

سيقود لتبادل الطلاب والباحثين والأساتذة عبر الطيف التعليمي بأكمله. لن يؤدي ذلك إلى تقوية الروابط بين البلدين في مجال التعليم والبحث فحسب ، بل سيبدأ أيضًا في بناء جسور التفاهم في مجالات مثل الثقافة والمجتمع. تشتهر قطر دوليًا بالتزامها بالتعليم كوسيلة اجتماعية على الصعيدين الوطني والدولي. يجب أن تعزز العلاقات المستقبلية التعاون التعليمي بشكل أكبر ، وكلاهما يقوي هذه الروابط بين المؤسسات الأكاديمية ويضع الأسس لبرنامج تعليمي بين الحكومتين.

في هذه المرحلة الجديدة ، التي تتميز بالاستثمارات الذكية في الطاقة والابتكار والتنمية ، ستعزز كلا البلدين في المستقبل القريب. تستثمر قطر في الشركات الإسبانية الرائدة في مجال التكنولوجيا الزراعية والري الذكي ، لمعالجة أولوياتها الرئيسية: الأمن الغذائي وإدارة المياه بكفاءة. من جانبها ، أقامت إسبانيا علاقة مميزة مع قطر على نفس المستوى مثل دول أخرى، مثل فرنسا أو الولايات المتحدة. وهذا يضمن أيضًا ممرًا للطاقة ويؤسس التزامًا بزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال، مما يجعل قطر الشريك التجاري الأول للطاقة. سيعقد البلدان جولة جديدة من المحادثات في عام 2023 في قطر ، والتي من المتوقع أن تؤكد على أهمية ما تم الاتفاق عليه بالفعل ، والثقة لتعزيز هذه الاتفاقية الاستراتيجية بشكل أكبر.

الهوامش

[1] La Moncloa. (2022). Spain and Qatar promote a new strategic partnership with the signing of a Joint Declaration that deepens their political and economic ties [President/News]. (s. f.). Retrieved 28 October 2022, https://www.lamoncloa.gob.es/lang/en/presidente/new s/paginas/2022/20220518_sanchez-al-thani.aspx.

[2] To read the joint statement please see: La Moncloa. (2022). Joint statement on the occasion of the state visit of the Amir of the state Qatar his highness Sheikh Tamim bin Hamad Al-Thani to the Kingdom of Spain, https://www.lamoncloa.gob.es/presidente/actividades/ Documents/2022/180522_Jointstatement_ Spain_Qatar.pdf.

[3] Al-Kuwairi, M.J. (2019) “Qatar, una apuesta por el diálogo”, Madrid. Planeta.

[4] World Bank. (2022). Qatar Food Products Imports by Country & Region 2016-2019 | WITS Data. Retrieved 28 October 2022, https://wits.worldbank.org/CountryProfile/en/Country/ QAT/Year/2019/TradeFlow/Import/Partner/all/Product/ 16-24_FoodProd/Show/Partner%20Name;MPRT-TRDVL; MPRT-PRDCT-SHR;AHS-WGHTD-AVRG;MFNWGHTD- AVRG;/Sort/MPRT-TRD-VL/Chart/top10.

عن الكاتبة

لوتيسيا روديرغيز غارسياز طالبة دكتوراه في برنامج العلوم الاجتماعية بجامعة غرناطة باحثة زائرة في جامعة حمد بن خليفة

مركز أبحاث السياسات الدولية

مركز أبحاث السياسات الدولية (CIPR) مركز أبحاث يركز على القضايا الاقتصادية والسياسية وقضايا الطاقة والأمن في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، ومن مقره في الدوحة يناقش المركز مجالات تخصص تمتد من تحليل المخاطر السياسية ، والاستشارات الحكومية والشركات ، واستشارات النزاعات ، ودبلوماسية المسار الثاني ، والاستشارات الإنسانية / التنموية ، وإدارة الأحداث في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي وخارجها. يسعى المركز لكي يصبح منصة أساسيًا للبحث والنقاش في المنطقة مع المنشورات والأحداث والمشاريع والمنتجات الإعلامية ذات الصلة لتعزيز فهم شامل للشؤون المتشابكة لهذه الجغرافيا. من خلال نهج شامل وعلمي ومبتكر ، كما يقدم منصة تتفاعل فيها أصوات متنوعة من الأوساط الأكاديمية والأعمال والسياسة العالمية من كل من المنطقة وعاصمة الدولة لإنتاج أفكار ورؤى متميزة للقضايا البارزة في المنطقة

مركز أبحاث السياسات الدولية